الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
الموسوعة الفقهية/ الجزء الثالث
1 - من معاني الاستئناف لغةً: الابتداء والاستقبال، وقد استأنف الشّيء أخذ أوّله وابتدأه. وبتتبّع استعمالات هذا المصطلح لدى الفقهاء، يمكن الوصول إلى تعريفٍ بأنّه: البدء بالماهيّة الشّرعيّة من أوّلها، بعد التّوقّف فيها وقطعها لمعنًى خاصٍّ. فالاستئناف لا يكون إلاّ بعد قطع الماهيّة الأولى؛ لما جاء في ردّ المحتار: «قوله (واستئنافه أفضل) أي: بأن يعمل عملاً يقطع الصّلاة ثمّ يشرع بعد الوضوء، شرنبلاليّةٌ عن الكافي، وفي حاشية أبي السّعود عن شيخه: فلو لم يعمل ما يقطع الصّلاة، بل ذهب على الفور فتوضّأ، ثمّ كبّر ينوي الاستئناف، لم يكن مستأنفاً بل بانياً. اهـ. أ - البناء: 2 - من معاني البناء لغةً: أنّه ضدّ الهدم، واصطلاحاً: يأتي بمعنى المضيّ في الماهيّة الشّرعيّة المبدوء بها إلى نهايتها، بعد زوال العارض الّذي قطعها بسببه، ومثاله: أن يسبق المصلّي حدثٌ، بعد أن صلّى ركعةً، فيتوضّأ، ويبني على صلاته بإكمال ما بقي، وذلك عند الحنفيّة. وفيه خلافٌ تفصيله في مباحث (الصّلاة) فالبناء مباينٌ للاستئناف. ب - الاستقبال: 3 - الاستقبال لغةً: المواجهة، أمّا شرعاً: فيأتي مرادفاً للاستئناف، ومثاله قول الكاسانيّ: إذا أيست المعتدّة بالأقراء، تنتقل عدّتها إلى الأشهر، فتستقبل العدّة بها. ويأتي بمعنى الاتّجاه إلى القبلة أو غيرها. ج - الابتداء: 4 - من معاني الابتداء لغةً: التّقديم، والأخذ في الشّيء من أوّله، ولا يخرج التعريف الاصطلاحيّ عن ذلك. فالفرق بينه وبين الاستئناف، أنّ الابتداء أعمّ. د - الإعادة: 5 - من معاني الإعادة لغةً: فعل الشّيء ثانيةً، ومنه التّكرار. واصطلاحاً: عرّفها الغزاليّ عند كلامه عن إعادة الموقّت: بأنّها فعل الشّيء ثانياً في الوقت بعد فعله على نوعٍ من الخلل. وتفترق الإعادة عن الاستئناف بأنّها لا تكون إلاّ بعد فعل العمل الأوّل مع خللٍ ما، أمّا الاستئناف فلا يكون إلاّ بعد قطع العمل قبل تمامه. هـ: القضاء: 6 - القضاء لغةً: أداء الشّيء، واصطلاحاً: عرّفه الغزاليّ: بأنّه فعل مثل ما فات وقته المحدّد، فالفرق بينه وبين الاستئناف، أنّ القضاء لا يكون إلاّ بعد الوقت، ولا يكون إلاّ في الأفعال ذات الوقت المحدّد. أمّا الاستئناف فقد يكون في الوقت، وقد يكون بعده، وقد يكون في غير الوقت.
7 - الاستئناف تعتريه بضعة أحكامٍ تكليفيّةٍ. فقد يكون واجباً اتّفاقاً، وذلك كما لو تعمّد الحدث وهو في الصّلاة. وهو أيضاً واجبٌ عند المالكيّة، إذا سبقه حدثٌ غير الرّعاف، إذ لا بناء عندهم إلاّ في الرّعاف؛ لأنّه رخصةٌ فيتوقّف فيها على مورد النّصّ. وقد يكون مستحبّاً، كمن أحدث وهو يؤذّن، واحتاج لفاصلٍ طويلٍ للتّطهّر، فإنّ استئناف الأذان أولى. وقد يكون مكروهاً كما في الصّورة السّابقة إذا كان الفاصل للتّطهّر يسيراً؛ لأنّ البناء هنا أولى، لئلاّ يوهم التّلاعب إذا استأنف. وقد يكون الاستئناف مباحاً، كالبيع الصّحيح والإجارة الصّحيحة - إذا جرت فيها الإقالة أو كان البيع فاسداً - فإنّه يصحّ استئناف العقد.
الاستئناف مصطلحٌ يرد في كثيرٍ من أبواب الفقه، إلاّ أنّ استعماله في أبواب العبادات أكثر منه في غيرها، وفيما يلي بعض الصّور. الاستئناف في الوضوء 8 - جاء في الفروع لابن مفلحٍ في معرض بيان أثر نسيان التّسمية على صحّة الوضوء: «وإن ذكر في بعضه ابتدأ، وقيل بنى، وعنه تستحبّ» أي أنّ المتوضّئ إذا ذكر التّسمية في أثناء الوضوء استأنف وضوءه وجوباً في قولٍ لدى الحنبليّة، وفي قولٍ آخر لا يجب الاستئناف، ويجوز البناء. الاستئناف في الغسل: 9 - جاء في الفروع لابن مفلحٍ في الغسل: «وحيث فاتت الموالاة فيه أو في وضوءٍ، وقلنا يجوز فلا بدّ للإتمام من نيّةٍ مستأنفةٍ، بناءً على أنّ من شرط النّيّة الحكميّة: قرب الفعل منها، كحالة الابتداء...». الاستئناف في الأذان والإقامة: 10 - جاء في الدّرّ المختار في الأذان والإقامة: «إن تكلّم في الأذان أو الإقامة - ولو بردّ سلامٍ - استأنف». الاستئناف في الصّلاة: 11 - قال الزّيلعيّ: «(وإن سبقه حدثٌ) أي المصلّي (توضّأ وبنى)، والقياس أن يستقبل (يستأنف) وهو قول الشّافعيّ؛ لأنّ الحدث ينافيها، والمشي والانحراف يفسدانها، فأشبه الحدث العمد، ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: «من أصابه قيءٌ أو رعافٌ أو قلسٌ أو مذيٌ فلينصرف فليتوضّأ، ثمّ ليبن على صلاته، وهو في ذلك لا يتكلّم». وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا رعف أحدكم في صلاته أو قلس، فلينصرف فليتوضّأ وليرجع فليتمّ صلاته، على ما مضى منها ما لم يتكلّم». والاستئناف أفضل تحرّزاً عن شبهة الخلاف. وهذا الحكم على سبيل الوجوب عند المالكيّة في غير الرّعاف، إذ البناء رخصةٌ.
الاستئناف في التّيمّم: 12 - وقال الكاسانيّ: «وإن وجد الماء في الصّلاة، فإن وجده قبل أن يقعد قدر التّشهّد الأخير انتقض تيمّمه، وتوضّأ واستقبل (استأنف) الصّلاة عندنا، وللشّافعيّ ثلاثة أقوالٍ: في قولٍ مثل قولنا، وفي قولٍ يقرّب الماء منه حتّى يتوضّأ ويبني، وفي قولٍ يمضي على صلاته وهو أظهر أقواله». الاستئناف في الكفّارات: 13 - ومن أمثلة الاستئناف في الكفّارات ما قال صاحب الدّرّ المختار في كفّارة اليمين: «(والشّرط استمرار العجز إلى الفراغ من الصّوم، فلو صام المعسر يومين ثمّ) قبل فراغه ولو بساعةٍ (أيسر) ولو بموت مورّثه موسراً (لا يجوز له الصّوم)، ويستأنف بالمال»، والعجز المراد به هنا العجز عن الإطعام والكسوة والتّحرير؛ لأنّ الصّوم لا يقبل هنا إلاّ بعد العجز عن تلك الثّلاثة. الاستئناف في العدّة: 14 - جاء في بدائع الصّنائع: «... إذا طلّق امرأته ثمّ مات، فإن كان الطّلاق رجعيّاً انتقلت عدّتها إلى عدّة الوفاة، سواءٌ طلّقها في حالة المرض أو الصّحّة، وانهدمت عدّة الطّلاق، وعليها أن تستأنف عدّة الوفاة في قولهم جميعاً». وقال في الدّرّ المختار: «(والصّغيرة) لو حاضت بعد تمام الأشهر (لا) تستأنف (إلاّ إذا حاضت في أثنائها) فتستأنف بالحيض (كما تستأنف) العدّة (بالشّهور من حاضت حيضةً) أو اثنتين (ثمّ أيست)، تحرّزاً عن الجمع بين الأصل والبدل».
انظر: استتارٌ.
انظر: سباقٌ.
1 - الاستبداد في اللّغة: مصدر استبدّ، يقال: استبدّ بالأمر، إذا انفرد به من غير مشاركٍ له فيه. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن ذلك.
أ - الاستقلالٌ: 2 - من معاني الاستقلال: الاعتماد على النّفس، والاستبداد بالأمر، وهو بهذا المعنى يرادف الاستبداد، غير أنّه يخالفه في غير ذلك من إطلاقاته اللّغويّة، فيكون من القلّة ومن الارتفاع. ب - المشورةٌ: 3 - الشّورى لغةً وشرعاً: عدم الاستئثار بالرّأي، وهي ضدّ الاستبداد بالرّأي.
4 - الاستبداد المفضي إلى الضّرر أو الظّلم ممنوعٌ، كالاستبداد في احتكار الأقوات، واستبداد أحد الرّعيّة فيما هو من اختصاص الإمام مثل الجهاد، والاستبداد في إقامة الحدود بغير إذن الإمام. ولتفصيل ذلك يرجع إلى مصطلح (احتكارٌ، وحدودٌ، وجهادٌ) وإلى كتب الفقه في المواطن المبيّنة بالهوامش. أمّا ما كان لتحقيق واجبٍ لا يتمّ إلاّ به فهو جائزٌ، كاستبداد المرأة بالخروج مع المحرم بغير إذن زوجها. لتحجّ الفريضة.
انظر: إبدالٌ.
1 - الاستبراء لغةً: طلب البراءة، وبرئ تطلق بإزاء ثلاث معانٍ: برئ إذا تخلّص، وبرئ إذا تنزّه وتباعد، وبرئ إذا أعذر وأنذر. أمّا الاستبراء فيقال: استبرأ الذّكر استنقاه، أي استنظفه من البول. واستبرأ من بوله إذا استنزه. وللاستبراء استعمالان شرعيّان: الأوّل: يتّصل بالطّهارة كشرطٍ لصحّتها، فهو بهذا من مباحث العبادة، وهو داخلٌ تحت قسم التّحسين. يقول الشّاطبيّ: (وأمّا التّحسينات فمعناها الأخذ بما يليق من محاسن العادات. ففي العبادات كإزالة النّجاسة) الثّاني: يتّصل بالاطمئنان على سلامة الأنساب، وعدم اختلاطها، فهو بهذا من مباحث النّكاح، وهو داخلٌ تحت قسم الضّروريّ، كما ذهب إليه الشّاطبيّ.
2 - عرّف ابن عرفة الاستبراء بالاستعمال الأوّل بقوله: (إزالة ما بالمخرجين من الأذى)، فالاستبراء على هذا يكون من البول، والغائط، والمذي، والودي، والمنيّ. وهو ما يفهم من كلام الشّافعيّة والحنابلة. وعرّفه الحنفيّة: بأنّه طلب البراءة من الخارج، وصرّحوا بأنّه لا يتصوّر في المرأة.
الاستنقاء، والاستنجاء، والاستنزاه، والاستنثار. أ - الاستنقاء: 3 - الاستنقاء: هو طلب النّقاوة، وهو أن يدلّك المقعدة بالأحجار، أو بالأصابع حالة الاستنجاء بالماء. ب - الاستنجاء: 4 - الاستنجاء: هو استعمال الأحجار أو الماء. ج - الاستنزاه: 5 - الاستنزاه: هو التّحفّظ من البول والتّوقّي منه. د - الاستنثار: 6 - الاستنثار: قال النّوويّ في تهذيب الأسماء: استنثر الرّجل من بوله اجتذبه واستخرج بقيّته من الذّكر. فالصّلة بين هذه الألفاظ وبين الاستبراء، هي أنّها كلّها تتعلّق بإنقاء المخرجين من الخارج منهما. 7 - ذهب الحنفيّة، والمالكيّة، وبعض الشّافعيّة (منهم القاضي حسينٌ) إلى أنّ الاستبراء فرضٌ، وذهب جمهور الشّافعيّة، والحنابلة إلى أنّه مستحبٌّ؛ لأنّ الظّاهر من انقطاع البول عدم عوده. واستدلّ القائلون بالوجوب بحديث الدّارقطنيّ: «تنزّهوا من البول فإنّ عامّة عذاب القبر منه» ويحمل الحديث على ما إذا ظنّ أو تحقّق بمقتضى عادته أنّه إن لم يستبرئ خرج منه شيءٌ. ويقول ابن عابدين: وعبّر بعضهم بلفظ ينبغي، وعليه فهو مندوبٌ كما صرّح به بعض الشّافعيّة، ومحلّه إذا أمن خروج شيءٍ بعده، فيندب ذلك مبالغةً في الاستبراء. 8 - ودليل الاستبراء حديثان: الدّليل الأوّل: الحديث الّذي أخرجه السّتّة عن ابن عبّاسٍ قال: «مرّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بحائطٍ أي بستانٍ من حيطان المدينة أو مكّة، فسمع صوت إنسانين يعذّبان في قبورهما، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: يعذّبان وما يعذّبان في كبيرٍ، ثمّ قال: بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنّميمة، ثمّ دعا بجريدةٍ فكسرها كسرتين، فوضع على كلّ قبرٍ منهما كسرةً، فقيل: له يا رسول اللّه؛ لم فعلت هذا ؟ قال صلى الله عليه وسلم: لعلّه يخفّف عنهما ما لم تيبسا» رواه البخاريّ. وعلّق ابن حجرٍ على الحديث بقوله: لا يستتر في أكثر الرّوايات بمثناتين من فوق: الأولى مفتوحةٌ والثّانية مكسورةٌ. وفي رواية ابن عساكر: يستبرئ بموحّدةٍ ساكنةٍ من الاستبراء، ثمّ قال: وأمّا رواية الاستبراء فهي أبلغ في التّوقّي. الدّليل الثّاني: عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «تنزّهوا من البول فإنّ عامّة عذاب القبر منه». 9 - يقول عليٌّ الأجهوريّ: إنّ الاستبراء معقول المعنى، وليس من التّعبّد؛ لأنّه بالاستبراء ينتهي خروج الحدث المنافي للوضوء. وبناءً على ذلك فجميع المذاهب تتّفق على أنّ المحدث إذا غلب على ظنّه عدم انقطاع الخارج فإنّه لا يصحّ وضوءه؛ لأنّ الأحكام تبنى على غلبة الظّنّ اتّفاقاً. 10 - الاستبراء إمّا أن يكون من الغائط، وإمّا أن يكون من البول، فإذا كان من الغائط فإنّه يكفيه أن يحسّ من نفسه أنّه لم يبق شيءٌ في المخرج ممّا هو بصدد الخروج. وأمّا إذا كان من البول، فهو إمّا من المرأة، وإمّا من الرّجل، فأمّا المرأة فإنّه لا استبراء عليها عند الحنفيّة، ولكن إذا فرغت تنتظر قليلاً ثمّ تستنجي، وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المرأة تستبرئ بعصر عانتها. وأمّا الرّجل فاستبراؤه يحصل بأيّ أمرٍ اعتاده دون أن يجرّه ذلك إلى الوسوسة.
11 - للاستبراء آدابٌ منها: أن يطرد الوسواس عن نفسه. قال الغزاليّ: ولا يكثر التّفكّر في الاستبراء، فيتوسوس ويشقّ عليه الأمر. ومن وسائل طرد الوسواس النّضح، وهو رشّ الماء، واختلف في موضع النّضح، فحكى النّوويّ أنّه نضح الفرج بماءٍ قليلٍ بعد الوضوء لدفع الوسواس. وقيل: هو أن ينضح ثوبه بالماء، بعد الفراغ من الاستنجاء؛ لدفع الوسواس أيضاً. قال الغزاليّ: وما يحسّ به من بللٍ، فليقدّر أنّه بقيّة الماء، فإن كان يؤذيه فليرشّ عليه الماء حتّى يقوى في نفسه ذلك، ولا يسلّط عليه الشّيطان بالوسواس، وفي الخبر أنّه صلى الله عليه وسلم فعله. وهذا الحديث أخرجه النّسائيّ عن الحكم عن أبيه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «كان إذا توضّأ أخذ حفنةً من ماءٍ فقال بها هكذا» وفي روايةٍ أخرى عن الحكم بن سفيان قال: «رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم توضّأ ونضح فرجه» قال أحمد: فنضح فرجه، علّق عليه السّنديّ فقال: وقيل: نضح أي استنجى بالماء، وعلى هذا فمعنى إذا توضّأ أراد أن يتوضّأ، وقيل: رشّ الفرج بالماء بعد الاستنجاء ليدفع به وسوسة الشّيطان، وعليه الجمهور وكأنّه يؤخّره أحياناً إلى الفراغ من الوضوء.
12 - معنى الاستبراء في النّسب، طلب براءة المرأة من الحبل، يقال: استبرأت المرأة: طلبت براءتها من الحبل. وعرّفه ابن عرفة بما توضيحه: ترك السّيّد جاريته مدّةً مقدّرةً شرعاً يستدلّ بها على براءة الرّحم. 13 - ويكون تارةً بحيضها، إذ الحيض دليلٌ على براءة الرّحم، وقد يكون بانتظارها مدّةً من الزّمن توجب الاطمئنان بعدم الحمل، وقد يكون بوضع الحمل الّذي علق بها، حيّاً أو ميّتاً، تامّ الخلقة أو غير تامٍّ. العدّة: 14 - العدّة تربّصٌ يلزم المرأة عند زوال النّكاح، فتشترك العدّة والاستبراء في أنّ كلاًّ منهما مدّةٌ تتربّص فيها المرأة لتحلّ للاستمتاع بها. 15 - ومع هذا فهما يفترقان في النّواحي التّالية: (أ) يقول القرافيّ: إنّ العدّة تجب ولو تيقّنّا براءة الرّحم، كمن طلّقها زوجها بعد أن غاب عنها عشر سنواتٍ، وكذا إذا توفّي عنها، وكذا الصّغيرة في المهد إذا توفّي عنها زوجها، أمّا الاستبراء فليس كذلك. والعدّة واجبةٌ على كلّ حالٍ لتغليب جانب التّعبّد فيها. (ب) اعتبر القرء الواحد كافياً في الاستبراء ولم يعتبر كافياً في العدّة. (ج) القرء في الاستبراء هو الحيض، وأمّا القرء في العدّة فمختلفٌ فيه بين الحيض والطّهر. (د) الوطء في العدّة يوجب تحريم المدخول بها تحريماً مؤبّداً عند بعض العلماء، أمّا وطء المملوكة في مدّة الاستبراء، فالاتّفاق على أنّه لا يحرم تحريماً مؤبّداً. استبراء الحرّة: 16 - اتّفق الفقهاء على الاستبراء في الحرّة، على خلافٍ بينهم في الوجوب والنّدب، وفي الأحوال الّتي يطلب فيها. ففي المزنيّ بها، استبراءٌ على سبيل الوجوب عند المالكيّة، وهو ما نقل عن محمّد بن الحسن، ونقل عنه الاستحباب، كالمنقول عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وصرّح الشّافعيّة: بأنّه إن علّق طلاق امرأته على وجود حملٍ بها فتستبرأ ندباً، أمّا إن علّقه على أنّها حائلٌ (غير حاملٍ) فتستبرأ وجوباً. وصرّح الحنابلة بطلب الاستبراء في صورةٍ من الميراث، فيما إذا مات ولد الزّوجة من غير زوجٍ سابقٍ، ولم يكن لهذا الولد أصلٌ أو فرعٌ وارثٌ، فإنّه تستبرأ زوجته لتبيّن حملها من عدمه لمعرفة ميراث الحمل. كما اتّفق الفقهاء على وجوب استبراء الحرّة الّتي وجب عليها إقامة الحدّ أو القصاص، نظراً لحقّ الحمل في الحياة. ودليل ذلك خبر الغامديّة المعروف. 17 - ومن المسائل الّتي صرّح المالكيّة فيها بوجوب استبراء الحرّة ما يأتي: (أ) إذا ظهر حملٌ بالمعقود عليها عقداً صحيحاً، ولم تعلم خلوةٌ، وأنكر الوطء، ونفى الحمل بلعانٍ، فتستبرأ بوضع الحمل. (ب) إذا وطئت الزّوجة الحرّة بزناً. وبمثل ذلك قال الحنفيّة. (ج) إذا وطئت بشبهةٍ بأن اعتقد المستمتع بها أنّها زوجته. (د) الوطء بنكاحٍ فاسدٍ مجمعٍ على فساده لا يدرأ الحدّ، كمحرّمٍ بنسبٍ أو رضاعٍ. (هـ) إذا غصبها غاصبٌ وغاب عليها (أي مكثت عنده مدّةً وخلا بها) ولو ادّعى أنّه لم يطأها وصدّقته؛ وذلك لاتّهامه بتخفيف عقوبته، واتّهامها بحفظ شرفها ظاهراً؛ ولأنّ ذلك حقّ اللّه؛ ولأنّ الغيبة مظنّة الوطء.
18 - إنّ حكمة مشروعيّة الاستبراء، سواءٌ أكان في الحرائر أم الإماء هي: تعرّف براءة الرّحم احتياطاً لمنع اختلاط الأنساب. وحفظ النّسب من أهمّ مقاصد الشّريعة الإسلاميّة.
يكون استبراء الأمة واجباً، ويكون مستحبّاً، فيكون واجباً في الصّور الآتية: (أ) عند حصول الملك للّتي يقصد وطؤها: 19 - إذا حصل الملك للأمة الّتي يقصد وطؤها بسببٍ من أسباب الملك، فاستبراؤها واجبٌ. وهذا القدر متّفقٌ عليه بين المذاهب إجمالاً، وذلك للحديث الّذي رواه أبو سعيدٍ الخدريّ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال في سبي أوطاسٍ: لا توطأ حاملٌ حتّى تضع، ولا غير ذات حملٍ حتّى تحيض» ومن القياس ما يقوله السّرخسيّ: والمعنى في المسبيّة حدوث ملك الحلّ فيها لمن وقعت في سهمه بسبب ملك الرّقبة، ويتعدّى الحكم إلى المشتراة أو الموهوبة. والحكمة صيانة ماء نفسه عن الخلط. وبعد الاتّفاق في الأصل اختلفوا في التّفصيل: فالمالكيّة اشترطوا لتحقّق وجوب الاستبراء شروطاً خلاصتها: أوّلاً: ألاّ يتيقّن براءة رحمها من الحمل، وهذا الشّرط قال به أيضاً ابن سريجٍ، وابن تيميّة، وابن القيّم، ورجّحه جماعةٌ من المتأخّرين كما روي عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة. وذهب أبو حنيفة وجمهور الشّافعيّة وأحمد في أكثر الرّوايات عنه إلى أنّه لا بدّ من الاستبراء، لوجود العلّة، وهي ملك حلٍّ بسبب ملك الرّقبة. ثانياً: ألاّ يكون وطؤها مباحاً لمن انتقل ملكها إليه قبل الانتقال، كما لو اشترى السّيّد زوجته الّتي عقد عليها قبل الشّراء، فإنّه غير مطالبٍ بأن يستبرئها على سبيل الوجوب. والإباحة هي الإباحة المعتدّ بها المطابقة للواقع، أمّا إذا كشف الغيب عن عدم حلّيّةٌ وطئه فلا بدّ من استبرائها، وهو المعتمد عند الشّافعيّة والحنابلة. ثالثاً: ألاّ يحرم عليه الاستمتاع بها بعد ملكها، فإن حرّمت في المستقبل لم يجب استبراؤها، وذلك كمن اشترى أخت زوجته، أو متزوّجةً بغيره، دخل بها أم لم يدخل. ب - قصد تزويج الأمة: 20 - يجب على السّيّد أن يستبرئ أمته إذا أراد تزويجها وذلك إذا وطئها، أو إذا زنت عنده إذا اشتراها ممّن لم ينف وطأه لها، وفي غير هذه لا يجب عليه أن يستبرئها. وفصّل الحنفيّة، والشّافعيّة بين الزّنا وبين الوطء، فإذا وطئها السّيّد وجب استبراؤها، وإذا زنت عنده لم يلزم باستبرائها قبل التّزويج. ج - زوال الملك بالموت أو العتق: 21 - إذا مات السّيّد يجب على وارثه أن يستبرئ الأمة الّتي ورثها عنه، ولا يحلّ له أن يستمتع بها إلاّ بعد استبرائها، سواءٌ أكان سيّدها حاضراً، أم غائباً يمكنه الوصول إليها، أقرّ بوطئها أم لا، وكذلك إذا كانت متزوّجةً وانقضت عدّتها ومات السّيّد بعد انقضاء العدّة، وذلك لأنّها حلّت للسّيّد زمناً. أمّا لو لم تنقض العدّة، أو كانت وقت الموت ذات زوجٍ فلا يجب الاستبراء، كما لا يجب الاستبراء إذا كان السّيّد غائباً عنها غيبةً لا يمكنه الوصول إليها، وامتدّ غيابه بمقدار الاستبراء فأكثر. وأمّا أمّ الولد فلا بدّ لها أن تستأنف الاستبراء بعد العتق. وفي مذهب الشّافعيّ: أنّ السّيّد إذا زال فراشه عن الأمة الّتي كان يطؤها فالاستبراء واجبٌ، استولدها أو لم يستولدها، وسواءٌ في ذلك زال فراشه بعتقٍ أم موتٍ، وسواءٌ مضت عليها مدّة الاستبراء أم لم تمض. د - زوال الملك بالبيع: 22 - إذا أراد السّيّد بيع الأمة فلا يخلو حاله من أمرين: إمّا أن يكون قد وطئها قبل ذلك أو لا. أمّا الأمة الّتي لم يطأها فيجوز له أن يبيعها بدون استبراءٍ. واستحبّ الإمام أحمد استبراءها. وأمّا الأمة الّتي كان يستمتع بها سيّدها ويطؤها، فمذهب مالكٍ أنّ استبراءها واجبٌ على السّيّد قبل البيع. ويفصّل أحمد بين اليائسة وغيرها. ودليله: أنّ عمر بن الخطّاب أنكر على عبد الرّحمن بن عوفٍ بيع جاريةٍ كان يطؤها قبل استبرائها. وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الاستبراء في هذه الحالة سنّةٌ، وذلك قبل بيعه لها؛ ليكون على بصيرةٍ منها. وقال الحنفيّة: إنّه مستحبٌّ. هـ - الاستبراء بسوء الظّنّ: 23 - قال المازريّ: وكلّ من جاز حملها ففي استبرائها قولان. ومثّل له بأمثلةٍ منها: استبراء الأمة خوف أن تكون زنت، وهو المعبّر عنه بالاستبراء لسوء الظّنّ.
المستبرأة لها أحوالٌ منها: الحرّة، والأمة الّتي بلغت المحيض وهي تحيض فعلاً، والحامل، والّتي لا تحيض لصغرٍ أو كبرٍ.
24 - استبراء الحرّة كعدّتها، إلاّ في ثلاث مسائل يكتفى فيها بحيضةٍ واحدةٍ، وهي استبراؤها لإقامة الحدّ عليها في الزّنا أو الرّدّة؛ ليتبيّن عدم حملها؛ لأنّ ذلك مانعٌ من إقامة الحدّ، أو في الملاعنة لنفي حملها. والاكتفاء في المزنيّ بها بحيضةٍ واحدةٍ هو مذهب الحنفيّة، وروايةٌ عن كلٍّ من الشّافعيّة والحنابلة. ولهما روايةٌ أخرى أنّها تستبرأ بثلاثٍ. استبراء الأمة الحائض: 25 - ذهب مالكٌ، والشّافعيّ، وأحمد في روايةٍ، وعثمان، وعائشة، والحسن، والشّعبيّ، والقاسم بن محمّدٍ، وأبو قلابة، ومكحولٌ، وأبو ثورٍ، وأبو عبيدٍ، إلى أنّ الأمة إذا كانت ممّن تحيض كعادة النّساء كلّ شهرٍ أو نحوه، فاستبراؤها يقع بحيضةٍ كاملةٍ، سواءٌ في ذلك استبراء البيع والعتق والوفاة، أمّ ولدٍ كانت أو لا. وفرّق الحنفيّة بين أمّ الولد وغيرها، فإذا كانت المستبرأة غير أمّ ولدٍ، فاستبراؤها بحيضةٍ كاملةٍ، أمّا أمّ الولد، إذا أعتقت بإعتاق المولى أو بموته، فإنّها تعتدّ بثلاثة قروءٍ؛ لما روي عن عمر وغيره أنّهم قالوا: عدّة أمّ الولد ثلاث حيضٍ.
26 - ذهب المالكيّة، والحنفيّة، والحنابلة، إلى أنّ المستبرأة إذا كانت حاملاً فاستبراؤها يكون بوضع حملها كلّه، ولو وضعته بعد لحظةٍ من وجوبه. ومذهب الشّافعيّة أنّ الأمة المسبيّة، أو الّتي زال عنها فراش السّيّد يحصل استبراؤها بوضع حملها، وإن كانت مشتراةً - وهي حاملٌ من زوجٍ أو وطءٍ بشبهةٍ - فلا استبراء في الحال، ويجب بعد زوال العدّة أو النّكاح، لأنّ حدوث حلّ الاستمتاع إنّما وجد بعد ذلك، وإن تقدّم عليه الملك؛ لأنّه ملكٌ مشغولٌ بحقّ الغير. والحامل من زناً إذا كانت لا تحيض في أثناء مدّة الحمل تستبرأ بوضع الحمل، وإن كانت تحيض فكذلك على الأصحّ، وفي قولٍ يحصل استبراؤها بحيضةٍ على الحمل.
27 - مذهب مالكٍ أنّ الأمة الّتي لا تحيض لصغرٍ أو كبرٍ: أنّها تتربّص ثلاثة أشهرٍ، ونقل ابن رشدٍ في المقدّمات أنّه قد جرى اختلافٌ في مذهب مالكٍ، فقيل: استبراؤها شهرٌ، وقيل شهرٌ ونصفٌ، وقيل شهران، وقيل ثلاثة أشهرٍ، وهو المشهور في المذهب الحنبليّ، وهو قول الحسن، وابن سيرين، والنّخعيّ، وأبي قلابة، وهو قولٌ ثانٍ في المذهب الشّافعيّ. ومذهب أبي حنيفة، والرّاجح عن الشّافعيّ، أنّها تستبرأ بشهرٍ فقط، وعلّل ذلك بأنّ الشّهر يتحقّق فيه في غيرها طهرٌ وحيضٌ، ولأنّ الشّهر قائمٌ مقام الطّهر والحيض شرعاً.
28 - مذهب أبي حنيفة، ومالكٍ، والشّافعيّ في روايةٍ أنّ المستبرأة لا يقبّلها، ولا يباشرها، ولا ينظر منها إلى عورةٍ، حتّى ينتهي أمد الاستبراء، وذلك لأنّه من الجائز أنّها حملت من البائع، وأنّ البيع باطلٌ. وهذه التّصرّفات لا تحلّ إلاّ في الملك. ووافقهم أحمد، وله روايةٌ بالتّفصيل بين المطيقة وغيرها.
29 - العقد على المستبرأة حرامٌ في جميع المذاهب، وكذلك الوطء بالأولى، وتفصيل أثره من حيث نشر الحرمة في كتب الفقه.
30 - اتّفق الفقهاء على أنّ المستبرأة لا يجب عليها الإحداد ولا يستحبّ لها؛ لأنّ الإحداد شرع لزوال نعمة الزّواج.
1 - أ - الاستبضاع في اللّغة: من البضع، بمعنى القطع والشّقّ، ويستعمل استعمالاً مجازيّاً في النّكاح والمجامعة. والبضع - بالضّمّ - الجماع، والفرج نفسه، وعلى هذا فالاستبضاع هو: طلب الجماع، ومنه نكاح الاستبضاع، الّذي عرّفه ابن حجرٍ بقوله: وهو قول الرّجل لزوجته في الجاهليّة: «أرسلي إلى فلانٍ، فاستبضعي منه» أي اطلبي منه المباضعة، وهو الجماع. وهذا كان في الجاهليّة، وقد أبطله الإسلام. ب - ويأتي الاستبضاع في اللّغة بمعنًى آخر، وهو: استبضاع الشّيء، أي جعله بضاعةً؛ لأنّ البضاعة هي طائفةٌ من مال الرّجل يبعثها للتّجارة.
2 - طالما أنّ نكاح الاستبضاع هو زنًى محضٌ، فإنّ الآثار المترتّبة عليه هي نفس الآثار المترتّبة على الزّنى، من حيث العقوبة، وضمان العقر، ووجوب الاستبراء، وعدم إلحاق نسب المولود من ذلك بالزّاني، بل يلحق بصاحب الفراش، إلاّ أن ينفيه بشروطه، وغير ذلك. (ر: زنًى).
3 - يطلق بعض الفقهاء كلمة استبضاعٍ أيضاً على: دفع الرّجل مالاً لآخر ليعمل فيه، على أن يكون الرّبح كلّه لربّ المال، ولا شيء للعامل. فيقال لصاحب المال مستبضعٌ، ومبضعٌ، (بالكسر)، ويقال للعامل مستبضعٌ، ومبضعٌ معه (بالفتح)، وهذه المعاملة هي استبضاعٌ وإبضاعٌ. ولمعرفة أحكامه (ر: إبضاعٌ).
1 - الاستتابة في اللّغة: طلب التّوبة، يقال استتبت فلاناً: عرضت عليه التّوبة ممّا اقترف. والتّوبة هي: الرّجوع والنّدم على ما فرّط منه، واستتابه: سأله أن يتوب. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ.
2 - استتابة المرتدّ واجبةٌ عند المالكيّة، وهو المعتمد عند كلٍّ من الشّافعيّة، والحنابلة؛ لاحتمال أن تكون عنده شبهةٌ فتزال. وذهب الحنفيّة وهو قولٌ آخر للشّافعيّة، والحنابلة إلى أنّها: مستحبّةٌ؛ لأنّ الدّعوة قد بلغته.
3 - في استتابة الزّنادقة وفرق الباطنيّة رأيان. الأوّل: للمالكيّة، وفي الظّاهر عند الحنفيّة، رأيٌ للشّافعيّة، والحنابلة، لا يستتابون ولا يقبل منهم، ويقتلون لقول اللّه تعالى: {إلاّ الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا}، والزّنديق لا تظهر منه علامةٌ تبيّن رجوعه وتوبته؛ لأنّه كان مظهراً للإسلام، مسرّاً للكفر، فإذا وقف على ذلك، فأظهر التّوبة، لم يزد على ما كان منه قبلها، وهو إظهار الإسلام؛ ولأنّهم يعتقدون في الباطن خلاف ما يظهرون. الثّاني: وهو للحنفيّة في غير الظّاهر، ورأيٌ للشّافعيّة والحنابلة، يستتاب؛ لأنّه كالمرتدّ، فتجري عليه أحكامه. (ر: زندقةٌ).
4 - استتابة السّاحر فيها روايتان. الأولى: للحنفيّة وهو ظاهر المذهب، وهو رأيٌ للمالكيّة، ورأيٌ للحنابلة، أنّه لا يستتاب وهو ظاهر ما نقل عن الصّحابة. فإنّه لم ينقل عن أحدٍ منهم أنّه استتاب ساحراً، لخبر عائشة: إنّ السّاحرة سألت أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهم متوافرون: هل لها من توبةٍ ؟ فما أفتاها أحدٌ ولأنّ السّحر معنًى في نفسه، ولسعيه بالفساد. الثّانية: للشّافعيّة ورأيٌ للمالكيّة والحنابلة، أنّه يستتاب. فإن تاب قبلت توبته؛ لأنّه ليس بأعظم من الشّرك، ولأنّ اللّه قبل توبة سحرة فرعون؛ ولأنّ السّاحر لو كان كافراً فأسلم صحّ إسلامه وتوبته، فإذا صحّت التّوبة منهما (أي السّاحر والكافر) صحّت من أحدهما (السّاحر المسلم)، (ر: سحرٌ) ويأخذ حكم المرتدّ، فيحبس حتّى يتوب.
5 - اتّفقت المذاهب على استتابة تارك الفرض من غير جحودٍ أو استخفافٍ، حيث تقبل توبته. فإن أبى أن يتوب، قال الحنفيّة في المذهب، والحنابلة في رأيٍ عندهم: يحبس حتّى يتوب أو يموت. وقال المالكيّة، والشّافعيّة وهو رأيٌ للحنابلة: إن أبى يقتل، وهو اختيار الجمهور.
1 - الاستتار في اللّغة: التّغطّي والاختفاء. يقال: استتر وتستّر أي تغطّى، وجاريةٌ مستترةٌ أي مخدّرةٌ. وقد استعمله الفقهاء بهذا المعنى، كما استعملوه بمعنى اتّخاذ السّترة في الصّلاة. والسّترة (بالضّمّ) هي في الأصل: ما يستتر به مطلقاً، ثمّ غلب في الاستعمال الفقهيّ على: ما ينصب أمام المصلّي، من عصاً أو تسنيم ترابٍ أي تكويمه ونحوه، لمنع المرور أمامه. ويسمّى ستر الصّدقة إخفاؤها.
2 - يختلف حكم الاستتار تبعاً للأحوال والأفعال الّتي يكون فيها، على ما سيأتي: الاستتار (بمعنى اتّخاذ المصلّي سترةً) 3 - اتّخاذ السّترة للمصلّي مشروعٌ اتّفاقاً؛ لحديث: «ليستتر أحدكم ولو بسهمٍ». ثمّ اختلف الفقهاء في حكمه بين الوجوب والسّنّة أو الاستحباب، على تفصيلٍ موطنه مصطلح: (سترة المصلّي).
4 - يشمل الاستتار هنا أمرين: الأوّل: الاستتار عن أعين النّاس حين الوطء. الثّاني: عدم التّجرّد حين الوطء. أمّا الأوّل: فإمّا أن يكون الوطء في حالة انكشاف العورة، أو في حالة عدم انكشافها. ففي حالة انكشاف العورة انعقد الإجماع على فرضيّة الاستتار، أمّا في حالة عدم ظهور شيءٍ من العورة فقد اتّفق الفقهاء على أنّ الاستتار سنّةٌ. وأنّ من يتهاون فيه فقد خالف السّنّة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى أحدكم أهله فليستتر». وحملوا الأمر على النّدب ولما في ذلك من الدّناءة والإخلال بالمروءة. وأمّا الثّاني: (عدم التّجرّد حين الجماع) وإن لم يكن معهما أحدٌ يطّلع عليهما، فقد اختلف الفقهاء فيه، فذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه يجوز للرّجل أن يجرّد زوجته للجماع، وقيّده الحنفيّة بكون البيت صغيراً، ويستدلّ لذلك بحديث بهز بن حكيمٍ عن أبيه عن جدّه قال: «قلت: يا رسول اللّه عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال احفظ عورتك إلاّ من زوجتك، أو ما ملكت يمينك، قلت: يا رسول اللّه، أرأيت إن كان القوم بعضهم من بعضٍ ؟ قال: إن استطعت ألاّ تريها أحداً فلا ترينّها. قلت يا رسول اللّه، فإن كان أحدنا خالياً، قال: فاللّه أحقّ أن يستحيا منه من النّاس» وبحديث عبد اللّه بن عمر قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: إيّاكم والتّعرّي، فإنّ معكم من لا يفارقكم إلاّ عند الغائط، وحين يفضي الرّجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم». وذهب الحنابلة إلى أنّه يكره، لحديث عتبة بن عبدٍ السّلميّ، قال: «قال رسول اللّه: إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجرّدا تجرّد العيرين».
5 -أ - يخلّ بالاستتار وجود شخصٍ مميّزٍ مستيقظٍ معهما في البيت، سواءٌ أكان زوجةً، أم سرّيّةً، أم غيرهما، يرى أو يسمع الحسّ، وبه قال الجمهور، وقد سئل الحسن البصريّ عن الرّجل يكون له امرأتان في بيتٍ، قال: كانوا يكرهون أن يطأ إحداهما والأخرى ترى أو تسمع. ب - ويخلّ بالاستتار وجود نائمٍ، نصّ على ذلك المالكيّة، فقال الرّهونيّ في حاشيته على شرح الزّرقانيّ لمتن خليلٍ: لا يجوز للرّجل أن يصيب زوجته أو أمته ومعه في البيت أحدٌ يقظان أو نائمٌ، لأنّ النّائم قد يستيقظ فيراهما على تلك الحال. ج - ويخلّ بالاستتار عند جمهور المالكيّة وجود صغيرٍ غير مميّزٍ، اتّباعاً لابن عمر الّذي كان يخرج الصّبيّ في المهد عندما يريد الجماع. وذهب الجمهور - ومنهم بعض المالكيّة - إلى أنّ وجود غير المميّز لا يخلّ بالاستتار؛ لما فيه من مشقّةٍ وحرجٍ.
6 - من حقّ المرأة الامتناع عن إجابة طلب زوجها إلى فراشه، إن كان ممّن لا يستتر عن النّاس حين الجماع، ولا تصير ناشزاً بهذا الامتناع؛ لأنّه امتناعٌ بحقٍّ؛ ولأنّ الحياء والمروءة يأبيان ذلك، نصّ على ذلك الحنفيّة، والشّافعيّة، وقواعد المالكيّة والحنابلة لا تأباه.
7 - يشمل هذا أمرين: الاستتار عن النّاس، والاستتار عن القبلة إن كان خارج البنيان. أمّا الأوّل، فالأصل وجوب ستر العورة عند قضاء الحاجة، بحضور من لا يحلّ له النّظر إليها، وتفصيله في مصطلح (عورةٌ)، كما أنّه يسنّ عند بعض الفقهاء استتار شخص الإنسان عند إرادة الغائط. وأمّا الاستتار عن القبلة بساترٍ فإنّ بعض الفقهاء يرى جواز استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة، إن استتر عن القبلة بساترٍ. ويرى بعضهم تحريم استقبال القبلة واستدبارها مطلقاً، وتفصيل ما يتّصل بالاستتار عن القبلة في مصطلح: (قضاء الحاجة).
أ - وجوب الاستتار عمّن لا يحلّ له النّظر إليه: 8 - الأمر الّذي لا خلاف فيه هو: افتراض الاستتار حين الاغتسال، بحضرة من لا يجوز له النّظر إلى عورة المغتسل، لقوله صلى الله عليه وسلم: «احفظ عورتك إلاّ من زوجتك، أو ما ملكت يمينك». وعن أمّ هانئٍ قالت: «ذهبت إلى رسول اللّه عام الفتح فوجدته يغتسل، وفاطمة تستره فقال: من هذه ؟ فقلت: أنا أمّ هانئٍ». (ر: عورةٌ) فإذا لم يمكنه الاغتسال إلاّ بكشف عورته أمام واحدٍ من هؤلاء، فقد صرّح الحنفيّة بأنّ كشف العورة حينئذٍ لا يسقط وجوب الغسل عليه – إن كان رجلاً بين رجالٍ، أو امرأةً بين نساءٍ – لأمرين. الأوّل: نظر الجنس إلى الجنس أخفّ من النّظر إلى الجنس الآخر. والثّاني: أنّ الغسل فرضٌ فلا يترك لكشف العورة. أمّا إن كانت امرأةٌ بين رجالٍ، أو رجلٌ بين نساءٍ، أو خنثى بين رجالٍ أو نساءٍ، أو هما معاً، فلا يجوز لهؤلاء الكشف عن عوراتهم للغسل، بل يتيمّمون، لكن شارح منية المصلّي لم يسلّم بهذا التّفصيل؛ لأنّ ترك المنهيّ عنه مقدّمٌ على فعل المأمور، وللغسل خلفٌ وهو التّيمّم. وعموم كلام الحنابلة، في تحريم كشف العورة عند الاغتسال بحضور من يحرم نظره إليها، يشعر بأنّهم يخالفون الحنفيّة. والّذي يؤخذ من كلام المالكيّة، والشّافعيّة أنّه لو ترتّب على القيام بالطّهارة المائيّة كشف العورة، فإنّه يصار إلى التّيمّم؛ لأنّ ستر العورة لا بدل له؛ ولأنّه واجبٌ للصّلاة والصّيانة عن العيون، ويباح فعل المحظور من أجله، كاستتار الرّجل بالحرير إذا تعيّن. أمّا الطّهارة المائيّة فلها بدلٌ، ولا يباح فعل المحظور من أجلها ومن هنا كان السّلف والأئمّة الأربعة يتشدّدون في المنع من دخول الحمّام إلاّ بمئزرٍ. وروى ابن أبي شيبة في ذلك آثاراً عن عليّ بن أبي طالبٍ ومحمّد بن سيرين وأبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ وسعيد بن جبيرٍ، حتّى بلغ الأمر بعمر بن الخطّاب أنّه كتب: لا يدخلنّ أحدٌ الحمّام إلاّ بمئزرٍ، وبعمر بن عبد العزيز أن كتب إلى عامله بالبصرة أمّا بعد: فمر من قبلك ألاّ يدخلوا الحمّام إلاّ بمئزرٍ، وأخذ يفرض العقوبات الرّادعة على من دخل الحمّام بغير مئزرٍ، وعلى صاحب الحمّام الّذي أدخله. وعن عبادة قال: رأيت عمر بن عبد العزيز يضرب صاحب الحمّام ومن دخله بغير إزارٍ. ب - استتار المغتسل بحضور الزّوجة: 9 - ممّا لا خلاف فيه أيضاً: أنّ لكلّ واحدٍ من الزّوجين أن يغتسل بحضور الآخر، وهو بادي العورة. للحديث المتقدّم: «احفظ عورتك إلاّ من زوجتك، أو ما ملكت يمينك». ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أغتسل أنا والنّبيّ صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ من قدحٍ، يقال له: الفرق»، متّفقٌ عليه.
10 - ذهب الحنفيّة، والمالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة إلى أنّه يجوز للمنفرد أن يغتسل عرياناً. واستدلّوا على ذلك بما رواه البخاريّ عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «قال: كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراةً، ينظر بعضهم إلى بعضٍ، وكان موسى يغتسل وحده، فقالوا: واللّه ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلاّ أنّه آدرّ - منفوخ الخصية - فذهب مرّةً يغتسل، فوضع ثوبه على حجرٍ، ففرّ الحجر بثوبه، فخرج موسى في إثره يقول: ثوبي يا حجر، حتّى نظر بنو إسرائيل إلى موسى فقالوا: واللّه ما بموسى من بأسٍ، وأخذ ثوبه، فطفق بالحجر ضرباً». وعن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «قال: بينا أيّوب يغتسل عرياناً فخرّ عليه جرادٌ من ذهبٍ، فجعل أيّوب يحتشي في ثوبه، فناداه ربّه: يا أيّوب ألم أكن أغنيتك عمّا ترى ؟ قال: بلى وعزّتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك». فقد قصّ علينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذلك دون نكيرٍ، فهو دليلٌ على الجواز؛ لأنّ شرع من قبلنا شرعٌ لنا إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه. وسئل الإمام مالكٌ عن الغسل في الفضاء، فقال: لا بأس به، فقيل: يا أبا عبد اللّه إنّ فيه حديثاً، فأنكر ذلك، وقال تعجّباً: لا يغتسل الرّجل في الفضاء ؟، وجه إجازة مالكٍ للرّجل أن يغتسل في الفضاء إذا أمن أن يمرّ به أحدٌ، وأنّ الشّرع إنّما قرّر وجوب ستر العورة عن المخلوقين من بني آدم دون سواهم من الملائكة، إذ لا يفارقه الحفظة الموكّلون به في حالٍ من الأحوال، قال تعالى: {ما يلفظ من قولٍ إلاّ لديه رقيبٌ عتيدٌ}. وقال تعالى: {وإنّ عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون}: ولهذا قال مالكٌ تعجّباً: لا يغتسل الرّجل في الفضاء، إذ لا فرق في حقّ الملائكة بين الفضاء وغيره. ولكن هذا جوازٌ مقرونٌ بالكراهة التّنزيهيّة، ولذلك يندب له الاستتار. لما رواه البخاريّ تعليقاً، ووصله غيره، عن معاوية بن حيدة، عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك. قلت: يا رسول اللّه فإن كان أحدنا خالياً ؟ قال: فاللّه أحقّ أن يستحيا منه من النّاس». وذهب عبد الرّحمن بن أبي ليلى إلى وجوب الاستتار حين الغسل، ولو كان في خلوةٍ. مستدلاًّ بالحديث الّذي أخرجه أبو داود والنّسائيّ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يغتسل بالبراز - أي بالخلاء - فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وقال: إنّ اللّه عزّ وجلّ حليمٌ حييٌّ ستّيرٌ، يحبّ الحياء والسّتر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر».
11 - يجب على المرأة الاستتار عن غير الزّوج والمحارم، بستر عورتها وعدم إبداء زينتها، لقوله تعالى: «يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ». وفيما يجب ستره عن المحارم وغيرهم، وفي ستر الوجه والكفّين والقدمين خلافٌ وتفصيلٌ موطنه مصطلح: (تزيّنٌ) (وعورةٌ).
12 - من ابتلي بمعصيةٍ، كشرب الخمر والزّنا، فعليه أن يستتر بذلك، ولا يجاهر بفعله السّيّئ، كما ينبغي لمن علم بفاحشته أن يستر عليه وينصحه، ويمنعه عن المنكر بالوسيلة الّتي يستطيعها. 13 - وقد اتّفق الفقهاء على أنّ المرء إذا وقع منه ما يعاب عليه يندب له السّتر على نفسه، فلا يعلم أحداً، حتّى القاضي، بفاحشته لإقامة الحدّ أو التّعزير عليه، لما رواه البخاريّ وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «كلّ أمّتي معافًى إلاّ المجاهرين، وإنّ من المجاهرة أن يعمل الرّجل باللّيل عملاً، ثمّ يصبح وقد ستره اللّه تعالى، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربّه ويصبح يكشف ستر اللّه عنه». وقوله صلى الله عليه وسلم «من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر اللّه، فإنّه من يبدي لنا من صفحته نقم عليه كتاب اللّه». وقال أبو بكرٍ الصّدّيق: لو أخذت شارباً لأحببت أن يستره اللّه، ولو أخذت سارقاً لأحببت أن يستره اللّه، وأنّ الصّحابة أبا بكرٍ وعمر وعليّاً وعمّار بن ياسرٍ وأبا هريرة وأبا الدّرداء والحسن بن عليٍّ وغيرهم، قد أثر عنهم السّتر على معترفٍ بالمعصية، أو تلقينه الرّجوع من إقراره بها، ستراً عليه، وستر معترف المعصية على نفسه أولى من ستر غيره عليه. والجهر بالمعصية عن جهلٍ، ليس كالجهر بالمعصية تبجّحاً. قال ابن حجرٍ: فإنّ من قصد إظهار المعصية والمجاهرة بها أغضب ربّه. وقال الخطيب الشّربينيّ: وأمّا التّحدّث بها تفكّهاً فحرامٌ قطعاً.
14 - يترتّب على الاستتار بالمعصية: أ - عدم إقامة العقوبة الدّنيويّة؛ لأنّ العقوبات لا تجب إلاّ بعد إثباتها. (ر: إثباتٌ) فإذا استتر بها ولم يعلنها ولم يقرّ بها ولم ينله أيّ طريقٍ من طرق الإثبات، فلا عقوبة. ب - عدم شيوع الفاحشة، قال اللّه تعالى: {إنّ الّذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الّذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدّنيا والآخرة واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}. ج - من ارتكب معصيةً فاستتر بها فهو أقرب إلى أن يتوب منها، فإن تاب سقطت عنه المؤاخذة، فإن كانت المعصية تتعلّق بحقّ اللّه تعالى فإنّ التّوبة تسقط المؤاخذة؛ لأنّ اللّه أكرم الأكرمين، ورحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدّنيا لم يفضحه في الآخرة. وإن كانت تتعلّق بحقٍّ من حقوق العباد، كقتلٍ وقذفٍ ونحو ذلك، فإنّ من شروط التّوبة فيها أداء هذه الحقوق لأصحابها، أو عفو أصحابها عنها، ولذلك وجب على من استتر بالمعصية المتعلّقة بحقّ آدميٍّ أن يؤدّي هذا الحقّ لصاحبه. (ر: التّوبة).
1 - الاستثمار في اللّغة: من (ثمر)، وثمر الشّيء: إذا تولّد منه شيءٌ آخر، وثمّر الرّجل ماله: أحسن القيام عليه ونمّاه، وثمر الشّيء: هو ما يتولّد منه، وعلى هذا فإنّ الاستثمار هو: طلب الحصول على الثّمرة. والفقهاء يستعملون هذا اللّفظ بهذا المعنى أيضاً.
أ - الانتفاع: 2 - الانتفاع هو الحصول على المنفعة، فالفرق بينه وبين الاستثمار، أنّ الانتفاع أعمّ من الاستثمار؛ لأنّ الانتفاع قد يكون بالاستثمار، وقد لا يكون. ب - الاستغلال: 3 - الاستغلال طلب الغلّة، والغلّة هي: كلّ عينٍ حاصلةٍ من ريع الملك، وهذا هو عين الاستثمار، فما تخرجه الأرض هو ثمرةٌ، وهو غلّةٌ، وهو ريعٌ. وللحنفيّة تفرقةٌ خاصّةٌ بين الثّمرة والغلّة في باب الوصيّة، فإذا أوصى بثمرة بستانه انصرف إلى الموجود خاصّةً، وإذا أوصى بغلّته شمل الموجود وما هو بعرض الوجود.
4 - الأصل استحباب استثمار الأموال القابلة لذلك؛ لما فيه من وجوه النّفع.
كلّ استثمارٍ لا يخلو من ركنين اثنين: المستثمر (بكسر الميم)، والمستثمر (بفتح الميم).
أوّلاً: المستثمر (بكسر الميم): 5 - الأصل أن يتمّ استثمار المال من قبل مالكه، ولكن قد يحدث ما يجعل الغير يقوم بهذا الاستثمار عن المالك، وهذا على صورتين: أ - الاستثمار بالإنابة: والإنابة قد تكون من المالك كالوكالة، أو من الشّارع كالقيّم. ب - الاستثمار بالتّعدّي: وقد يقدم على استثمار المال أجنبيٌّ بغير إذن صاحب المال، وبغير إعطاء الشّرع هذا الحقّ له، وعندئذٍ يعتبر غاصباً (ر: غصبٌ). ثانياً: المال المستثمر: 6 - لكي يكون الاستثمار حلالاً يشترط في المال المستثمر أن يكون مملوكاً، ملكاً مشروعاً للمستثمر (بكسر الميم)، أو لمن كان المستثمر نائباً عنه نيابةً شرعيّةً أو تعاقديّةً، فإن لم يكن كذلك لم يحلّ استثماره، كالمال المغصوب أو المسروق. وكذلك لا يحلّ استثمار الوديعة؛ لأنّ يد الوديع يد حفظٍ.
7 - إذا كان الاستثمار مشروعاً، كانت الثّمرة ملكاً للمالك، أمّا إذا كان الاستثمار غير مشروعٍ، كمن غصب أرضاً واستغلّها، فإنّ الثّمرة عند الحنفيّة يملكها الغاصب ملكاً خبيثاً، ويؤمر بالتّصدّق بها. وذهب المالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة إلى: أنّ الغلّة للمالك، وفي روايةٍ عن أحمد: أنّه يتصدّق بها.
8 - يجوز استثمار الأموال بأيّ طريقٍ مشروعٍ.
|